مصعب Admin
عدد الرسائل : 81 تاريخ التسجيل : 23/07/2008
| موضوع: الرضا بالقضاء والقدر الخميس 14 أغسطس - 18:34 | |
| الرضا بالقضاء والقدر - منقول -إن المصائب التي يُصاب بها الخلق قدر مقدور، وقد أمر تعالى عباده بالصبر، ورتب على ذلك الثواب الجزيل فقال: ]إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ[ .
وبعد الصبر تأتي منزلة أعظم وهي منزلة الرضا بالقضاء والقدر. كتب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ فقال:
"أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"أسألك الرضا بعد القضاء".
فضل الرضا وأهميته:
1- الرضا أساس الدين، فلا يسلم العبد حتى يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً.
2- والرضا سبب لذوق طعم الإيمان، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً... "الحديث.
فالرضا بالله:
أ- رضا ألوهية فيرضى بكونه معبوداً، إليه تصرف أنواع العبادة.
ب –رضا ربوبية بأنه رب السموات والأرض، فيتضمن الرضا بتدبيره للعبد وبما يقدر عليه.
3- ثم إن الرضا ثمرة عظيمة لعمل قلبي عظيم وهو التوكل، فالرضا آخر التوكل، فمن رسخت قدمه في التوكل والتسليم والتفويض حصل له الرضا ولابد.
حكمه:
أجمع العلماء – رحمهم الله – على استحبابه، وجاء الثناء على أصحابه، ومدحهم تعالى في كتابه، فقال: ] رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ[.
وفي الآية دلالة على أن الرضا مقدور للعباد، وبإمكانهم التوصل إليه واكتسابه وتحصيله والتحلي به.
ولعزته على النفوس، وعدم استجابة أكثر النفوس له، وصعوبته عليها؛ لم يوجبه تعالى على خلقه كالصبر رحمةً بهم، وتخفيفاً عنهم، لكن الذي نبههم إليه وأثنى على أهله وجعل لهم ثواباً عظيماً، وهو رضاه عنهم الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، فنسأل الكريم العظيم أن يكون لنا من ذلك أوفر الحظ والنصيب.
ما معنى الرضا بالقضاء:
الرضا: هو التسليم وسكون القلب وطمأنينته، وقضاؤه سبحانه كله عدل وخير وحكمه.
حال السلف عند المصيبة:
1- قال ثابت البناني: مات عبدالله بن مطرف بن الشخير فخرج التابعي مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد أدهن، فغضبوا، وقالوا: يموت عبدالله ثم تخرج في ثياب من هذه مدهناً؟ فقال: أفأستكين لها، وعدني ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا وما فيها.
قال تعالى: ]الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[.
2- كان صلة بن أشيم في مغزى له ومعه ابنه فقال: أي بني، تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فتقدم فقاتل حتى قتل، ثم تقدم صلة فقتل، فاجتمع النساء عند أمه "معاذة العدوية" فقالت: مرحباً بكن إن كنتن جئتن مهنئات، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
3- ما روي أن عمر بن عبدالعزيز ـ رضي الله عنه ـ لما مات ابنه دفنه عمر وسوَّى عليه التراب، ثم استوى قائماً فأحاط به الناس، فقال: رحمك الله يا بني؛ قد كنت براً بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسروراً بك، ولا والله ما كنت قط أشد بك سروراً، ولا أرجى بحظي من الله تعالى فيك، منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيرك الله إليه.
4- الفضيل بن عياض، كان إماماً وكان له ابن لا يحتمل سماع آيات الوعيد، فإذا سمعها غُشي عليه، فكان الفضيل يتحرز أن يقرأ هذه الآيات إذا كان ابنه يصلي خلفه فقرأ ذات مرة آيات فيها وعيد ولم يعلم أن ابنه خلفه، فغشي على ابنه ومات بعدها، فخرج على الناس يضحك رضا بقضاء الله وقدره.
5- وقال عمر بن عبدالعزيز ـ رضي الله عنه ـ: "أصبحت وما لي سرور إلا في مواضع القدر".
ماذا يُشترط للرضا؟
يُشترط للرضا ألا يعترض على حكم الله وألا يتسخطه بل يصبر ويحتسب.
وليس من شرطه:
1- عدم الإحساس بالألم والمكاره، وما ذكر عن بعض السلف فإنما هو مبالغة في الرضا، وفرح شرعي لا طبعي، وقال بعض أهل العلم: ضاقت نفوس هؤلاء عن تحمل الأمرين: الرضا وإظهار ألم المصيبة، فأظهروا الفرح. ومقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع فقد بكى حين مات ابنه إبراهيم وقال: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون.
2- كما لا ينافي الرضا الدعاء برفع البلاء.
سبل الحصول على الرضا:
1- التزام العبد بما جعل الله تعالى رضاه فيه، فإن هذا يوصل إلى مقام الرضا ولابد.
قيل ليحيى بن معاذ: "متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه ويقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وغن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت".
ويسهل ذلك على العبد علمه بضعفه وعجزه، ورحمته تعالى به، وليستشعر قوله تعالى: ] كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[ وفي حديث الكنفة عظة، وليتذكر شفقته تعالى على عبده، وإيصاله الخير له، وتيسير أسباب ذلك.
قال تعالى في الحديث القدسي: "وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته".
وقال: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، وكلكم عارٍ إلا من كسوته، أتحبب إليكم بالنعم وتتبعون إلي بالمعاصي، خيري إليكم نازل، وشركم إلي صاعد".
"لله تعالى أشد رحمة بعبده من الوالد بولده".
"ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا أنا قبضت صفيه من أهل الدنيا فصبر ثم احتسبه إلا الجنة".
فإذا شهد العبد هذا ولم يطرح نفسه بين يدي ربه ويرضى عنه، ولم تنجذب دواعي حبه ورضاه؛ فنفسه مطرودة عن الله بعيدة، ليست مؤهلة لقربه وموالاته إلا أن يتغمده الله برحمته.
ثم علمه بحكمته وعلمه تعالى يجعله يطمئن لما أصابه، إذ إن نظر ابن آدم قاصر، وعلمه سبحانه عظيم، فهو أعلم وأحكم حين أصبت بما أصبت.
قيل للحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ: إن أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ يقول: الفقر أحب إليَّ من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة فقال: "رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن غير ما اختار الله له".
أن المصيبة علامة على محبة الله تعالى للعبد ولخيرته وسبب لتكفير ذنوبه وسبب لرفع منزلته في الجنة:
أ – فكل ذلك دلت عليه الأحاديث النبوية، فمن المعلوم أن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، وفي الحديث: إن علم الجزاء مع عظم البلاء وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.
ب- وأما أن المصيبة سبب لتكفير الذنوب فقد وردت بذلك عدة أحاديث منها:
1- ما في الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها".
2- وفيهما أيضاً عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ما يصيب المؤمن بلاء ولا نصب ولا وصب ([1]) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه".
3- وفيهما أيضاً: "ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حُطَّت عنه خطاياه كما يحت ورق الشجر".
4- وروى الإمام أحمد وغيره عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
ج – كما أن المصيبة سبب لرفعة المنزلة ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فيما يبلغها بعمل فلا يزال الله تعالى يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها" والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
د- كما أن المصيبة دليل على خيرة العبد، فإذا علم تعالى من عبده قدرة على تحمل المصيبة أصابه بها، إما لتكفير ذنوبه أو حتى ترتفع منزلته، وإن لم يكن له قدرة على تحملها لم يصبه رحمة به.
1- وقد اشتهر هذا المعنى عند الصحابة والسلف رضوان الله عليهم وروي في ذلك حديث وفيه ضعف، ففي المسند عن أنس أن امرأة أتت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله إن ابنتي كذا وكذا، فذكرت من حسنها وجمالها، أتريدها؟! قال: قد قبلتها، فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئاً قط، فقال: "لا حاجة لي في ابنتك". وفي رواية من حديث مرسل: "لا حاجة لنا في ابنتك تجينا تحمل خطاياها، لا خير في مال لا يرزأ فيه وجسد لا يُنال منه".
2- طلَّق خالد بن الوليد امرأته ثم أحسن عليها الثناء فقيل له: يا أبا سليمان لأي شيء طلقتها؟ قال: ما طلقتها لإقلال فيها لكن لم يصبها عندي بلاء.
3- وعن عمار بن ياسر أنه ذكر الأوجاع فقال أعرابي عنده: ما اشتكيت قط، فقال عمار: ما أنت منا أو لست منا، إن المسلم يُبتلى ببلاء فتحط عنه ذنوبه، كما تحط الشجرة اليابسة ورقها وإن الكافر أو الفاجر ليُبتلى ببلاء فمثله مثل بعير أطلق فلم يدر لما أُطلق، وعُقل فلم يدر لما عقل".
4- وعن الحسن قال: كان رجل منهم أو من المسلمين إذا مر به عام لم يُصب في ماله ونفسه، قال: ما لنا تودع الله منا.
هـ - قال العلماء: ويُعرف قدر البلاء إذا كُشف الغطاء يوم القيامة، كما في الترمذي من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم قرضت بالمقاريض في الدنيا" والحديث حسن كما في صحيح الجامع.
3- المصيبة نعمة من الله لا نقمة، إذ إنها رحمة من رب العالمين ليُذكر العبد من غفلته:
1) فقد روى أبو داود في سننه عن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: جلست إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر الأسقام فقال: "إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم عافاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أُعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه".
2) وقال الحسن: إنما أنتم بمنزلة الغرض يُرمى به كل يوم، ليس من مرض إلا قد أصابتكم فيه رمية، عَقِل من عَقِل، وجهل من جهل، حتى تجيء الرقية التي لا تخطئ (وهي الموت).
3) وقال أيضاً في أيام الوجع: أما والله ما هي بشر، أيام المسلم قُورب له فيها أجله، وذُكِّر فيها ما نسي من معاده، وكفِّر بها عنه خطاياه.
4) وكان إذا دخل على مريض قد عوفي قال: يا هذا إن الله قد ذكَّرك فاذكره، وأقالك فاشكره.
4- أن المصيبة إذا نزلت أضعفت المرء، وأهل الجنة هم المستضعفون:
1- ففي الصحيحين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حديث حارثة بن وهب – رضي الله عنها – أنه قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة وأهل النار، أهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر".
2- وفيهما أيضاً: أن النار والجنة تحاجتا فقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ وقالت النار: مالي لا يدخلني إلا الجبارون المتكبرون".
- فالمؤمن اشتغل بعمارة قلبه وروحه عن عمارة جسده، ولذا فإن باطنه قوي ثابت عامر يكابد الأعمال الشاقة تقرباً إلى الله تعالى.
- ثم إن في ذل النفس وانكسارها وضعفها، وضعف البدن، معونة على ترك المعاصي.
5- النظر إلى نعم الله تعالى التي لا تحصى:
فنعم الله كثيرة قال تعالى: ] وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا[ والمصاب ما فقد بهذه المصيبة إلا إحدى النعم فيستحي أن لا يرضى وعنده كل هذه النعم، ولذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" ([2]).
ومن ذلك:
1- ما روي عن بعض السلف أن أحدهم شكا فقره إلى بعض أرباب البصيرة، وأظهر شدة اغتمامه بذلك، فقال: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألف درهم؟ قال: لا، قال: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: "أما تستحي أن تشكو مولاك، وله عندك عروض بخمسين ألفاً؟!".
2- وحكي عن آخر أنه اشتد به الفقر حتى ضاق به ذرعاً فرأى في منامه: أتود أنا أنسيناك سورة الأنعام ولك ألف دينار؟ قال: لا، قال: فسورة هود؟ قال: لا، قال: فسورة يوسف؟ قال: لا، قال: فما معك قيمة مئة ألف دينار وأنت تشكو؟ فأصبح وقد سري عنه.
3- دخل ابن السماك على الرشيد في عظة ثم دعا بماء في قدح فقال: يا أمير المؤمنين، لو مُنعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفديها بها؟ قال: نعم. قال: فاشرب رياً بارك الله فيك، فلما شرب قال له: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتديها؟ قال: نعم. قال: ما تحزن لشيء شربة ماء خير منه؟!
6- الحمد لله، المصيبة ليست في الدين، وليست أعظم.
فالوقفة الأولى: الحمد لله أن المصيبة لم تكن في الدين، فكيف لو انتكس الإنسان عن دينه – والعياذ بالله – أما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" والعياذ بالله.
- ألم يكن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك"؟
- ألم يكن أكثر يمينه: "لا ومقلب القلوب"؟
- ألم يقل تعالى في كتابه عن القوم الصالحين أنهم يدعون: ]رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ[.
ثم الحمد لله إن المصيبة لم تكن أعظم، فمن مات له ولد فالحمد لله لم يمت اثنان، ومن فقد ماله فالحمد لله لم يفقد أهله وذريته.
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: ما ابتليت ببلاء إلا كان لله تعالى علي فيه أربع نعم: إذ لم يكن في ديني، وإذ لم يكن أعظم، وإذ لم أحرم الرضا به، وإذ أرجو الثواب عليه.
وقال رجل لسهل: دخل اللص بيتي وأخذ متاعي، فقال: اشكر الله تعالى؛ لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ماذا كنت تصنع؟
ومن استحق أن يضرب مئة فضرب عشرة فهو مستحق للشكر.
7- أن ينظر إلى حال من هو دونه وأشد منه في البلاء: فروى الترمذي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، فإنه أجدر أن تزدروا نعمة الله عليكم" والحديث صحيح كما في صحيح الجامع.
8- تعلق النفس بالآخرة وتذكر أحوالها: فإذا تعلق القلب بالآخرة نسي الدنيا وما فيها، وتاقت نفسه إلى النجاة، وحرص على ما فيه الفلاح والنجاة يوم القيامة، ونسي الدنيا وهمومها، وإذا ما نظر إلى حال الموتى، وأن أحب الأشياء إلى نفوسهم أن يردوا إلى الدنيا ليتدارك من عصا عصيانه، وليزيد في الطاعة من أطاع، فإن يوم القيامة يوم التغابن فتصبح الآخرة همه، وينسى هم الدنيا.
9- أن المصيبة قد وقعت، وهي مكتوبة، فكيف لو كان يوعد بها؟
فالحمد لله المصيبة وقعت وانتهت واستراح، وهي مكتوبة ومقدرة، فكيف لو كان يُوعد بها كل يوم؟!
- ثمرات الرضا اليانعة:
1- أن الله تعالى يرضى عنه باليسير من العمل يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل، قال تعالى: ]رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ[.
2- أن السخط باب الهم والغم والحزن وشتات القلب وفي الرضا سعة الصدر وراحته.
3- أن الرضا يفتح له باب السلام فيجعل قلبه سليماً نقياً من الغش والغل، ولا يحسد الناس على ما هم فيه مـن النعم: ]أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ[. ]نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ[.
- ثم إن هذا يريحه ويجعل قلبه خالصاً للمسلمين؛ إذ إن المصيبة بقدر من الله ومكتوبة عنده، وما كان هذا الإنسان الذي تدخل فيها إلا سبب لحصولها بقدر من الله، فلا يحمل في نفسه عليه شيء.
4- أن السخط يفتح له باب الشك في الله – والعياذ بالله -. وهو سبب الزيغ والانتكاس، بخلاف الرضا فإنه وقاية من ذلك، قال تعالى: ]وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة[.
5- أن الشيطان يظفر بالإنسان حال السخط.
6- أن الرضا يفرغ القلب لعبادة الله تعالى، بخلاف من اهتم بالمصاب فعقل عن العبادة، وأصبح قلبه مشغولاً بها فلا يتدبر القرآن ولا يخشع في صلاته.
7- أن الرضا يثمر منزلة أعلى وهي الشكر.
وأخيراً:
فإن المصائب قد تكون عقوبة من الله تعالى لعبد عصاه حتى يرتدع، أو ليخف شره عن الناس.
كما أن الإنسان قد يبتلى بعدم المصائب عقوبة له ـ والعياذ بالله ـ ويكون ذلك استدراجا له، ولذا كره السلف عدمها.
كما ينبغي للمرء أن يستغفر الله إذا وقعت عليه مصيبة ويتفقد حاله أن يكون عصا ربه ويكثر من الاستغفار ويتوب إليه.
- وهل للمرء أن يدعو الله أن يصيبه بمصيبة تكفر عنه خطاياه قبل يوم القيامة؟!
وهل ندعو بالمصيبة؟!
لا، وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد رجلاً صار مثل الفرخ فقال له: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله؟" قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فاجعله لي في الدنيا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سبحان الله! لا تطيقه ولا تستطيعه، فهلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار...".
وسُئل: أي الدعاء أفضل؟ فقال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
وقال: "تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء".
هذا والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) النصب: العناء، والوصب: المرض الملازم الدائم.
(2) الحديث حسن كما في صحيح الجامع. | |
|